باب الرزق، أو الاسترزاق “بالسّلبطة”

by i-naj

يصادف اليوم سريان مفعول قانون منع التدخين في الاماكن العامة و يتزامن ذلك مع حملة اعلامية شعواء تحاول استباق عجز الدولة عن تطبيق هذا القانون أو اي قانون اخر. لن أتكلم عن التدخين و مضاره علي المحيطين بالمدخن، ليس هذا  موضوع هذه الحلقة و انما ما يتردده البعض حول اثر هذا “المنع” على قطاع السياحة و بعض فرص العمل الناتجة عنه، و بالتحديد منطق “باب الرزق”.

ادى انعدام وجود اقتصاد فعلي و منتج و تنموي في لبنان الى تنامي الاقتصاد الموازي مصحوباً بتنامي حس المبادرة الفردية. و المبادرة الفردية في لبنان ترتبط في معظم الاحيان بمفهوم القيام بنشاط غير شرعي اساساً او توسيع نشاط شرعي على حساب الحق العام أو الفضاء العام أو الملك العام. و مفهوم العام غير موجود اصلاً لدى اللبنانيين اذ ان الحرب الاهلية و الفوضى التي نتجت عنها انتجت اجيالاً من عبدة “الأنا” و يتجلى ذلك في جميع نواحي حياتنا اليومية. الجدير بالذكر ان هذه الانشطة وان كان معظمها قد ولد من الحرب الاهلية و رواسبها تتغذى يومياً من نظام طائفي يحافظ عليها لا بل يغذيها و يؤمن ملاذا امنا لاربابها.

الشاطئ

الامثال على منطق “السلبطة” لا تنتهي. المسابح لم تكتفي بمصادرة الشاطئ اللبناني انما امعنت في ابتزاز الناس برسوم دخول باهضة و عنصرية علنية لا تستحي، و تصل الى منع المرء من ادخال قنينة ماء الى مكان هو بالمبدأ مكان عام.

الشارع

و المقاهي ايضاً لها حصتها في التعدي على الشوارع و المواقف، و تشاركها في ذلك بعض المطاعم و الدكاكين و المساجد في يوم الجمعة و المدارس في كل يوم. فقد تحولت شوارع بيروت الضيقة أصلا الى مواقف للسيارات  تزيد من خنقة الازدحام و مشكلة النقل. الجدير بالذكر هنا ان غياب النقل المشترك و قوانين السير يتحملان جزءا من هذه المشكلة، لكن المواطن-ان جاز استخدام هذا التعبير- يتحمل الجزء الاكبر ايضا من خلال انعدام الحس العام لديه. لذلك نجد سيارات متوقفة في احد مسارب الشارع (ان وجد اكثر  من واحد)تنتظر احدهم  أو احداهن لتكمل التسوق من احد المحال غير ابهين بمئات الاخرين الذين يتم تأخيرهم جراء هذا الوقوف، كما تجد العديد من ذوي الطلاب او من ينوب عنهم من خدم أو سواق ينتظرون اولادهم -بالسيارة طبعاً- للخروج من المدرسة، علماً ان المدرسة لديها ما يكفي من الباصات. و تتجلى الأنانية المطلقة أيضاً عندما تفتح الاشارة الخضراء و يتقدم المرء بالرغم من انسداد المسار من الطرف الاخر، و يقفل الطريق على الاشارة المقابلة بمنطق ” من بعدي خراب البصرة”

الرصيف

فن الكولّاج

و نستطيع ان نضيف على ذلك ركن السيارات على زوايا الارصفة و مداخلها و ركن سيارات التاكسي على زوايا الارصفة (و هذا باب رزق ايضا”) . و الارصفة المخصصة للمشاة  لم تنج من السلبطة اذ تعج بالدراجات النارية المركونة عليها، و اعلانات المحال التجارية، و كراسي الحراس و الفاليه باركينغ، و بسطات المحلات التجارية المتوسعة…

الهواء

 و انعدام الحس العام يتجلى ايضاً بالاستخدام المفرط للزمامير كوسيلة للتعبير عن الغضب و الفرح و الامتعاض و السباب و اللقاء، و استجداء الركّاب و ما الى ذلك .  و استخدام المفرقعات  و الرصاص في المناطق السكنية للتعبير عن الفرح بخطاب سياسي او نجاح ولد في الشهادة المتوسطة، اضافة الى التدخين في المناطق العامة المغلقة و سيارات التاكسي من دون الاستئذان و لو أدبياً من المحيطين. حتى التخطيط العمراني و البلدي يشجع التعدي، فبمجرد النظر الى واجهة بيروت البحرية يلاحظ المرء كيف كان بالامكان مع قليل من التخطيط استغلال الطبيعة المنحدرة للواجهة و التدرج في ارتفاع المباني بحيث يستفيد الجميع من الاطلالة البحرية. ما حصل طبعاً هو العكس، فالصف الأول على الواجهة ارتفع بحيث اغلق الواجهة على كل ما هو حولها. و يؤدي هذا الموضوع الى موضوع اخر و هو التعدي على البيئة و المشاعات و الملك العام و هذا موضوع اخر بحد ذاته.

حين تحاول الدولة -في المرات القليلة التى تحاول فيها – التصدي لاحدى هذه الضواهر، تتهم بأنها تغلق باباً للرزق، و حين توجه الملاحظة لأحد المواطنين عن فعل ما يستخدم منطق “الشو وقفت عليي” . الامثلة على التعدي على الفضاء العام لا تنتهي و مفهوم العام غير موجود عند الناس و غير موجود عند حكامهم.

الجشع صاحب القرار في الشارع.